التعليم خط البقاء: اولوية الشعوب وصمود فلسطين في مواجهة الأزمات
التعليم خط البقاء: اولوية الشعوب وصمود فلسطين في مواجهة الأزمات
بقلم مروان سلطان. فلسطين 🇵🇸
10.12.2025
————————————————-
في اللحظات التي تتعرض فيها الأمم للاهتزاز، وتتعاقب عليها الأزمات والحروب، يبقى هناك ثابت واحد لا يجوز المساس به ولا التردد في حمايته: التعليم. هو خط الدفاع الاول عن الوعي، والملاذ الذي احتمت به الشعوب عبر التاريخ لتحفظ وجودها وتعيد تشكيل نهضتها. لم يكن التعليم يوما بندا يمكن تأجيله، ولا عبئا يمكن التخلص منه، بل كان قرار امة تدرك ان بناء العقول هو الطريق الوحيد لبقاء الشعوب وصمودها.
كل الشعوب التي تعرضت لأزمات مختلفة عبر التاريخ، كانت ترى في التعليم خطا احمر لا يمكن الانتقاص منه او التقليل من شأنه او تجاوزه. لم تكن الازمات، أي كانت، سببا في يوم من الأيام لإغلاق المدارس. كان التعليم عندنا في فلسطين، وعلى مدار السنوات، قائما والاجيال تواصل تعليمها، والمربون يشحذون الهمم في عطائهم بلا حدود.
عندما اغلقت المدارس بقوة الاحتلال، تحولت البيوت والمساجد الى مدارس. وعندما اغلقت الجامعات، تحولت البيوت والمساجد والكنائس الى مدارس، بالرغم من ملاحقة الاحتلال للتعليم ومنعه. كانت وما زالت السجون مدرسة للتعلم اقامها الاسرى الفلسطينيون من اجل البقاء وعلى مختلف المستويات.
ما الذي يحدث اليوم للتعليم في فلسطين؟ هل تغيرت الهمم؟ هل المعلمون لم يعودوا يحملون الهم الوطني؟ هل الاهالي اصبحوا غير مبالين بمستقبل الابناء؟ سؤال محير. في القضايا المصيرية للامم، تتخذ قرارات مصيرية. والتعليم له قداسته وهالته التي لا ينبغي ان تنطفئ شعلته، ويبقى مساره شامخا مثل الطود العظيم.
بعض المراحل التعليمية، الاساسية منها، كان يجب ان يضمن استمرارها مهما كانت الظروف. كيف؟ وبأي صورة؟ وبأي شكل؟ هذه مسؤولية قيادة وليست مسؤولية وزارة التربية والتعليم. وليست قرارا يتخذه أي احد كانت صفته. انه قرار مصيري، والقرارات المصيرية تؤخذ على اعلى مستوى سياسي في البلاد، المستوى الذي يحدده السيد الرئيس والقيادة. لا يجوز لأي جهة، مهما كانت صفتها، تعطيل مسار امة وشعب. التجهيل لا يقل خطورة عن الاحتلال في سمومه. وتعطيل التعليم لا يقل عن الدور الذي يقوم به المستوطنون في سرقة الارض. من يسهم في تجهيل الاجيال هو مثل من يسرق قوت الشعب ، لا تهاون في ذلك.
مع الاسف، ان اثار النكبات على التعليم الفلسطيني كبيرة. وأكد احد تقارير البنك الدولي ان مستوى الطالب الفلسطيني الذي يصل الى المستوى الجامعي لا يتعدى الصف التاسع. وهذا ما تقوله ايضا الجامعات عن الطلبة الذين ينهون المرحلة الثانوية، اذ ان مستواهم التعليمي متدن. ام يكن ليصل هذا المستوى المتدني للطالب في يوم من الايام، فكيف والسلطة الوطنية الفلسطينية موجودة في الميدان!.
العام الدراسي الحالي في الضفة الغربية وصل الى منتصفه تقريبا. كم هي المدة التي امضاها الطالب فعليا على مقاعد الدراسة؟ هذا وحده يكشف غياب السياسات التي يجب ان نتبناها في القضايا الوطنية. اذا لم يكن لدينا سياسات وطنية تعالج الازمات بوضوح، كيف ستكون النتائج؟ لا شك انها تحتاج الى وقفة شجاعة لتعديل المسار. وهذا امر لا يمكن ان يترك لاي جهة كانت غير القيادة الفلسطينية.
ان الامة التي تتخلى عن تعليم ابنائها تتخلى عن مستقبلها، وعن قدرتها على حماية روايتها ووجودها. التعليم ليس مفاوضة، ولا خطوة يمكن ارجاؤها، بل هو فعل بقاء لا يقل اهمية عن صمود الناس على ارضهم. فما قيمة كل التضحيات اذا نشأت اجيال بلا معرفة وبلا وعي، اجيال يسهل التأثير عليها، ويسهل سلبها ما سلبه الاحتلال من قبل.
في لحظات الاختبار الكبرى، تقاس الشعوب بقدرتها على حماية عقل ابنائها قبل حماية حدودها. ومن دون قرار وطني واضح بضمان ديمومة التعليم، وبعيدا عن الارتجال ورد الفعل، سنجد انفسنا امام فراغ هائل لا يمكن ردمه لاحقا. المطلوب اليوم ليس البحث عن مبررات، بل العودة الى البديهيات: التعليم هو العمود الفقري لوجودنا، وغيابه هو الخطر الذي لا يمكن القبول به تحت أي ظرف.
حماية التعليم ليست مهمة وزارة، بل مهمة وطن كامل. واذا لم نواجه ازمة التعليم الحالية بإرادة سياسية واعية، فإننا سنترك للايام مساحة لتقويض ما تبقى من قدرتنا على النهوض. الطريق واضح، واللحظة ضاغطة، ومسؤولية القرار تقع على من بيده رسم المسار. والتعليم يجب ان يعود، ويستمر، ولا يتوقف ابدا.

تعليقات
إرسال تعليق