قصة دبوس تختزل المشهد لشعب يناضل من أجل الحياة في حقه المسلوب والثمن الإعدام
قصة دبوس تختزل المشهد لشعب يناضل من أجل الحياة في حقه المسلوب والثمن الإعدام
بقلم مروان سلطان. فلسطين 🇵🇸
9.12.2025
———————————————
في كثير من الاحيان لا يحتاج الادراك إلى خطابات طويلة كي نفهم اتجاه السياسة الإسرائيلية؛ فدبوس صغير على صدر وزير يكشف أكثر مما تكشفه عشرات القوانين قصة قانون الإعدام الذي يسعى بن غافير للدفع به وتشريعه في الكنيست، هي قصة لم يلتفت إليها الشارع الفلسطيني بعمق ، ليس لأنها تُسبب عقدة نفسية أو ترتعد لها الأرجل، بل لأن الفلسطيني يرى ومنذ سنوات اقدام اسرائيل على تنفيذ الإعدام الميداني دون حاجة إلى قانون. فمنذ وقت طويل، يتولى الأمن الإسرائيلي هذه المهمة بقرار سياسي له قوة القانون، يجمع على إعدام المشتبه بهم من الفلسطينيين في الميدان. وامام الابادة الجماعية التي تمارس بحق الفلسطينين فالمشهد يحكي عن نفسه اكثر مما يتعلق الامر بتشريع قانون يتم الاحتفاء به في اروقة السياسة.
اللافت هو اندفاع وزير الأمن القومي الإسرائيلي ايتمار بن غافير وهو يسير واضعًا دبوسًا على شكل مشنقة على صدره، أثناء توجهه إلى جلسة إقرار قانون الإعدام بقراءته الثانية والثالثة. هذا المشهد بحد ذاته يكشف الكثير؛ فإسرائيل، التي تتجنب تشريع الإعدام رسميًا لتفادي الانتقادات الدولية ولتظهر نفسها كدولة ذات قيم أخلاقية وديمقراطية عصرية، تجد اليوم في بن غافير من يرفع الغطاء عنها ويُظهر حقيقتها دون مكياج. فالاحتلال الذي يتظاهر بأنه “ديمقراطية تتجنب الإعدام الرسمي”، يمارس الإعدام الميداني كل يوم دون تردد — لكن دبوس بن غافير حوّل هذه الحقيقة إلى صورة رسمية.
بن غافير، الذي يمثل حلقة أساسية في السياسة الإسرائيلية، يرى الفلسطيني ليس خصمًا سياسيًا، بل جسدًا مباحًا يمكن استهدافه، ويحتفي بالمشنقة رمزًا يتفاخر به.
وعلى النقيض من ذلك، قامت إسرائيل عبر وزارة خارجيتها بمهاجمة الرئيس محمود عباس أبو مازن بسبب ارتدائه دبوس مفتاح العودة في خطابه أمام الأمم المتحدة، مدعية أنه يرمز إلى “محو إسرائيل” والترويج لعودة ملايين اللاجئين. وبحسب الوزارة، يُعدّ ذلك استمرارًا لما تصفه بخطة منظمة التحرير الفلسطينية لتدمير إسرائيل.
هنا يظهر التناقض القيمي والأخلاقي بوضوح:
• مفتاح العودة: يرمز إلى الحق – الذاكرة – العدالة – البيت.
• مشنقة بن غافير: ترمز إلى القتل – الإقصاء – العقاب – محو الوجود.
وهنا تتجلى المكاشفة بين مشروعين كاملين؛ فالمقارنة ليست بين دبوسين أو شكلين، بل بين رؤيتين:
• المفتاح مشروع يسعى لاستعادة الحياة.
• المشنقة مشروع يسعى لإطفائها.
إن ما يدفع بن غافير لتعليق المشنقة على صدره هو جزء من تحول فكري وسياسي داخل إسرائيل، وخطاب موجّه إلى أنصاره للحفاظ على مكانته السياسية، في وقت تنتقل فيه الحكومة من ممارسة القمع دون إعلان إلى منحه صفة قانونية. هذا يمثل نقلة خطيرة، من سياسة مبطّنة إلى تشريع رسمي يشرعن العنف ضد الفلسطينيين باعتباره “حماية للأمن”، وهي الشماعة التي تستخدمها إسرائيل لارتكاب المجازر ومخالفة القانون الدولي. إنها مرحلة جديدة، في اعتقادي، تذوب فيها الحدود بين الدولة والجماعات المتطرفة، وتُشرعن هذا النوع الفريد من العنف.
أما مفتاح العودة، فهو في رمزيته قطعة من ذاكرة كل بيت فلسطيني، يحمل قصة الجد الذي خرج ولم يعد. فيما تمثل المشنقة تجسيدًا ثقافيًا لفكرة الإلغاء والإقصاء. هكذا يصبح الصراع بين مفتاح ومشنقة ليس صراع رموز، بل صراع ذاكرة في مواجهة محو، وحياة في مواجهة موت.
وهنا مربط الفرس: لماذا تعتبر إسرائيل أن دبوس الرئيس عباس تهديد وجودي وتقيم الدنيا ولا تقعدها، بينما لا يُعدّ دبوس المشنقة تهديدًا لشعب يقتل لمجرد الاشتباه؟ ولماذا يصمت العالم أمامه، فيما الإبادة ضد الشعب الفلسطيني تسير على قدم وساق في البشر والشجر والحجر؟



تعليقات
إرسال تعليق