الهندسة الديموغرافية الجديدة: كيف تعيد اسرائيل تشكيل الواقع الفلسطيني عبر الهجرة القسرية وصناعة الفراغ السكاني للتوسع الاستيطاني.

الهندسة الديموغرافية الجديدة: كيف تعيد اسرائيل تشكيل الواقع الفلسطيني عبر الهجرة القسرية وصناعة الفراغ السكاني للتوسع الاستيطاني.


بقلم مروان سلطان.               فلسطين. 🇵🇸

6.12.2025


—————————————————-

 ما يجري في الضفة الغربية وقطاع غزة  في مجمل الاجراءت الاسرائيلية الحربية والامنية والعنف الاستيطاني ، ليس حدثا عابرا، ولا نتيجة طارئة للحرب، انه تحول مدروس يعكس توجها استراتيجي اسرائيلي لاعادة صياغة المشهد الديموغرافي والسياسي الفلسطيني. فالهجرة التي تبدو طوعية في ظاهرها، هي في جوهرها قسرية بفعل ظروف محكمة تجعل الوجود الفلسطيني في اماكن معينة اقرب الى العدم. هذه السياسة، التي لا تعلن عنها اسرائيل مباشرة، تتجسد من خلال شبكة من الاجراءات والضغوط التي تصنع واقعا جديدا يفرغ المكان من سكانه الاصليين، ويمهد لمشاريع توسع وضم تتجاوز الادعاءات الامنية التي تتذرع بها.

عندما تتعمق في المشهد السياسي والامني في الضفة الغربية وقطاع غزة من احداث، يعتبر  في اطار خطة  اسرائيلية لاعادة تشكيل هندسة الديموغرافيا وحصار مطبق على السلطة الفلسطينية. ويتم ذلك من خلال التهجير القسري غير المعلن، عبر خلق ظروف تجبر الفلسطينيين على السير في طريق باتجاه واحد، بحيث يصبح مساحة البقاء فيها ضيقا ويكاد ان يكون شبه شبه مستحيل. هذا هو الواقع الذي يفرض نفسه على الديموغرافيا الفلسطينية.

في غزة، ما حل فيها من دمار، وحصار، وتجويع، وانهيار للنظام الخدماتي، وانعدام سبل الحياة، امر تمت هندسته من اجل دفع الفلسطينيين نحو الهجرة القسرية بهدف رسمي غير معلن. اما ما يحدث في الضفة الغربية من اجراءات اسرائيلية تقودها الدولة والجيش والمستوطنون، فيحمل طابعا مختلفا يجعل الحياة للفلسطينيين محفوفة بالمخاطر، ولكنه يحمل ذات الاتجاه.

الدافع من وراء تحليل الواقع في هذا المقال هو اعادة الاعتبار مرة اخرى للتوجه الاسرائيلي بتهجير الفلسطينين واعادة توطينهم خارج وطنهم.  فقرار نتنياهو بفتح معبر رفح باتجاه واحد، وليس بالاتجاهين مؤخرا بمعنى انه للمغادرين قطاع غزة فقط ، لا يمكن اعتباره اجراء ذا طابع انساني، وانما قرار ذو طابع سياسي يحمل معاني فتح الابواب للمغادرة، والدفع بالاخرين للوقوف على الابواب.

عندما تجمع الخيوط المتناثرة مع بعضها البعض ، يتضح في الضفة الغربية ان آثار تلك السياسات تشكل تهجيرا بطيئا لكنه متسارعا، والنتيجة نزيف سكاني صامت.

التهجير من جانب، والقرار الاسرائيلي بالابقاء على الانقسام في غزة من جانب اخر، يصبان في الاتجاه نفسه الذي يمنع وحدة جغرافية تشكل بوصلتها اقامة الدولة الفلسطينية، ويخدم مصالح اسرائيل التوسعية ، ولا يحقق مصالحها الامنية حسب ادعائاتها.

كما ان الاعلان عن شروط اسرائيل لعودة سكان شمال الضفة الغربية وفق قناة 15 العبرية، يصب في ذات الاتجاه والتوجه الاسرائيلي في هندسة واقع جديد لسكان منطقة الشمال بدءا من بداية العام الجديد. الشرط الرئيسي، بحسب القناة، هو ان تمتنع السلطة الفلسطينية عن السماح بادخال المنظمات الاغاثية الدولية الى مخيمات اللاجئين، وان تقدم الخدمات بنفسها لكافة السكان، مع شطب كلمة لاجئ من تعريف سكان المخيمات.  وحسب الشروط الاخرى التي وضعتها اسرائيل، انه لن يكون من الممكن عودة السكان الا بعد ان يستكمل الجيش الاسرائيلي اعادة تصميم وهيكلة المنطقة، وانشاء طرق جديدة وفق مصالحه الامنية. وطالبت اسرائيل السلطة الفلسطينية باقامة نقاط تفتيش ومراكز شرطة لمنع دخول اي عناصر مسلحة الى المخيمات. كما سيتم انشاء بنية تحتية للكهرباء والمياه تحت الارض لصالح السكان.

كل هذه السياسات تخدم فقط المصالح التوسعية لاسرائيل، ولا علاقة لها بالاهداف الامنية وفق دعايتها، وتأتي على حساب الشعب الفلسطيني وتقويض مسيرته التنموية والعمرانية.  في المحصلة، لا تبدو السياسات الاسرائيلية في غزة والضفة الغربية مجرد ردود فعل على واقع امني متغير، بل مسارا متكاملا يعيد تعريف وجود الفلسطيني على ارضه، عبر صناعة ظروف تدفعه الى الهجرة وتفريغ المكان من سكانه الاصليين. التهجير هنا لا يأتي على شكل قرار صريح، بل من خلال منظومة ضغوط تراكمية تجعل الحياة اليومية تحديا لا يطاق.

هذه السياسات لا تهدف حقا الى الأمن، وانما الى توسيع السيطرة الاسرائيلية على الأرض على حساب الفلسطينيين، من خلال تفريغ المناطق، فرض هياكل جديدة، وإعادة رسم الطرق والبنية التحتية بما يخدم مصالح اسرائيل التوسعية.

وبذلك يتحول ظلال الادعاء الامني الاسرائيلي ،  غطاء يسمح بازاحة الحدود الديموغرافية وفرض وقائع تتكيف مع رؤية اسرائيل المستقبلية للارض والسكان من خلال الضم الزاحف والتهجير القسري للفلسطينين. وامام هذا الواقع، يبقى الصمود الفلسطيني في اماكنه واعادة بناء شبكات الصمود المجتمعي وتفعيل الادوات القانونية والسياسية عناصر اساسية لافشال مشروع الهندسة الديموغرافية، والحفاظ على حضور الانسان الفلسطيني باعتباره جوهر القضية وبوصلتها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرئيس ابو مازن كال الصاع صاعين لنتنياهو في محاولة منعه زيارة سوريا ، والزيارة تمت وفق الوقت والاهداف المرسومة. بقلم مروان سلطان. فلسطين 🇵🇸

مؤتمر الدوحة خنجر مسموم في خاصرة الشرعية الفلسطينية وانقلاب اسود في تاريخ المشاركين مروان سلطان. فلسطين 🇵🇸.

ليس تبريرا ولكن حزنا وكمدا على غزة واهلها كانت كلمات الرئيس عباس الى حماس بفلم الكاتب مروان سلطان. فلسطين 🇵🇸