نتنياهو في الزاوية الحرجة: والدولة العميقة في إسرائيل ترى فيه عبئا ان الاوان لازاحته من المشهد السياسي.

نتنياهو في الزاوية الحرجة: والدولة العميقة في إسرائيل ترى فيه عبئا  ان الاوان لازاحته من المشهد السياسي.


بقلم مروان سلطان          فلسطين 🇵🇸

4.12.2025

————————————————-


لا احد ينكر ان نتنياهو هو الذي صعد باليمين الاسرائيلي المتطرف الى سدة الحكم، وكانت فترة حكمه من اطول الفترات التي تعرش في دولة اسرائيل. واستطاع ان يطوع كل ما هو ممكن من سياسات من اجل البقاء في الحكم. وتميزت سنوات حكمه بالخروج عن المالوف السياسي، وفي لحظة من التاريخ تمترس خلف اليمين الاسرائيلي المتطرف ليبقى في سدة الحكم. ويبدو ان غروره السياسي سمح له بالتمادي على النهج الديمقراطي الذي عززه النظام والقانون في اسرائيل منذ نشأتها.


اليوم، وفي الحقبة الاخيرة من حكمه التي يفترض ان تنتهي في نهاية العام القادم، يخضع نتنياهو للمحاكمة في المحاكم الاسرائيلية بتهم تتعلق بالفساد، واستغلال المنصب، وتلقي الرشاوي. وتبدو الامور وكأنها تتجه نحو الادانة في معظم او بعض تلك القضايا. وفي لحظة حرجة من تاريخه السياسي، لجأ نتنياهو الى الاحزاب اليمينية المتطرفة من اجل اطالة عمره السياسي وتوفير غطاء له مقابل تنفيذ سياسات يمينية ادت الى انقسامات حادة داخل اسرائيل، وادت الى عزوف في اليسار، وانقسام داخل اطر اليمين نفسه. كما تميزت هذه الفترة باشعال الحروب على اكثر من جبهة، وكان لهذه السياسات اثر مباشر في تغيير وجه الشرق الاوسط.


ورغم ذلك، لم ترق سياسات حكومة نتنياهو للولايات المتحدة، ولا لاوروبا، ولا حتى لمراكز القوى داخل اسرائيل. ومع تصاعد الازمة حول محاكمته، شاهدنا تدخلا امريكيا للمطالبة بوقف المحاكمة ومنحه العفو من قبل الرئيس الاسرائيلي. ومنذ يومين، تقدم نتنياهو بطلب رسمي للعفو، ويبدو ان الامور تتجه للاستجابة لطلبه مقابل اعتزاله الحياة السياسية. وبهذا يكون الرئيس الامريكي دونالد ترامب قد مد له طوق النجاة من اخر المآزق التي يواجهها، حتى وان كان الثمن نهاية مسيرته السياسية.


وهنا نستطيع القول ان الدولة العميقة، وبدعم من الولايات المتحدة، اصبحت ترى في نتنياهو عبئا سياسيا ثقيلا بسبب سياساته التي جرت اسرائيل الى تصادم مباشر مع مصالح الدول الصديقة لها. واصبح يشكل عبئا على علاقاتها مع الولايات المتحدة والدول الاوروبية المتنفذة، التي ترى ان نتنياهو يقود اسرائيل نحو تحول خطير من دولة ديمقراطية الى دولة دينية عنصرية، على غرار النظام العنصري الذي ساد جنوب افريقيا في سنوات مضت.


كما ان من اهم الاسباب التي دفعت باتجاه التخلص من الحكومة الحالية هو الصدام المرير الذي افتعله نتنياهو مع القضاء الاسرائيلي، ومع الجيش، ومع اجهزة الامن، في محاولة للسيطرة على مفاصل الدولة العميقة التي ظل المساس بها من المحرمات منذ نشأة اسرائيل. وفوق كل ذلك، ترى الدولة العميقة، ومعها عدد كبير من الساسة الدوليين، ان نتنياهو يتحمل مسؤولية مباشرة عن تعاظم قوة حركة حماس في غزة، بعد ان وفر لها هامش مناورة واسع على مدى سنوات، وحافظ على وجودها من اجل ابقاء الانقسام الفلسطيني، الامر الذي مهد في نهاية المطاف لهجوم السابع من اكتوبر 2023. ومع ذلك، ما زال نتنياهو يرفض تشكيل لجنة تحقيق رسمية في هذا الموضوع، بينما ترى المعارضة الاسرائيلية انه المسؤول الاول عن الاخفاق الاستخباراتي والعملياتي الذي سمح بحدوث ذلك الهجوم.


لا شك ان فترة حكم نتنياهو كانت مثيرة للجدل، لان الائتلاف الذي قاده اعتمد على خلق فزاعات لابقاء الجمهور الاسرائيلي في حالة خوف دائم من دول الجوار ومن المحور الايراني الذي ظل فزاعة مركزية. وبعد عملية السابع من اكتوبر، استغل نتنياهو واليمين الحدث لارتكاب المذابح ضد الفلسطينيين تحت لافتة ما يسمى الدفاع عن النفس.


الحرب التي شنت على الفلسطينيين المدنيين في غزة حملت عناوين الابادة الجماعية، التهجير العرقي، التدمير البيئي، التجويع عبر الحصار، ومنع الدواء والماء، وكان الهدف تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية. وقد سنحت لحظة تاريخية كادت تلك الاهداف ان تتحقق لولا موقف مصر والاردن الذي اوقف مشروع التهجير. ومع ذلك، ما زال الوضع الانساني في غزة يفتح المجال لمحاولات التهجير القسري بطرق اخرى.


وبسبب تلك السياسات، تقدمت جنوب افريقيا بطلب رسمي الى محكمة الجنايات الدولية للتحقيق في الجرائم المرتكبة، مما ادى الى صدور قرار باحالة نتنياهو الى القضاء الدولي واصبح مطلوبا للقبض عليه بتهمة الابادة الجماعية.


شلالات الدماء التي سالت في غزة واعداد الشهداء من الاطفال والنساء غيرت المزاج الدولي تماما. وتحت ضغط الشارع العالمي، اضطرت الدول الغربية للحد من فظاعة القتل، وصولا الى وقف اطلاق النار في اكتوبر الماضي.


وماذا جنت اسرائيل؟ لم تجن سوى تعاظم الكراهية الدولية ضدها. وفي لحظة رمزية لافتة، وعندما وقف نتنياهو لالقاء كلمة اسرائيل في الجمعية العامة للامم المتحدة، انسحبت معظم الوفود وباتت القاعة شبه فارغة. وهو مشهد يعكس حجم الاحتقان الدولي تجاه اسرائيل. وقد اضطرت الولايات المتحدة اكثر من مرة الى التدخل لانقاذ اسرائيل من تبعات سياسات حكومتها.


السياسات التي انتهجتها حكومة اليمين لم تؤد فقط الى عزلة سياسية، بل ادت وللمرة الاولى الى اخضاع اسرائيل للمسالة القانونية الدولية، وهو ما كان من المحرمات في السابق.


واليوم، ما بين المساءلة القانونية داخل اسرائيل، والمساءلة القانونية الدولية، وما نتج عنها من احالة مسؤولين اسرائيليين الى اطار المحاسبة على الجرائم ضد المدنيين الفلسطينيين، يتشكل مسار جديد يدفع باتجاه انهاء حكم اليمين الاسرائيلي الذي قاد اسرائيل نحو مزيد من التطرف وصناعة الكراهية والبغضاء. استطلاعات الراي في اسرائيل تشير الى انحسار قوة اليمين وتراجع مكانتها، وفي حال خروج نتنياهو وعزوفه السياسي، فان اليمين الاسرائيلي سياخذ بالتراجع والتلاشي لان سياسته كانت كارثية على علاقات اسرائيل ، وتماسك المجتمع الاسرائيلي نفسه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرئيس ابو مازن كال الصاع صاعين لنتنياهو في محاولة منعه زيارة سوريا ، والزيارة تمت وفق الوقت والاهداف المرسومة. بقلم مروان سلطان. فلسطين 🇵🇸

مؤتمر الدوحة خنجر مسموم في خاصرة الشرعية الفلسطينية وانقلاب اسود في تاريخ المشاركين مروان سلطان. فلسطين 🇵🇸.

ليس تبريرا ولكن حزنا وكمدا على غزة واهلها كانت كلمات الرئيس عباس الى حماس بفلم الكاتب مروان سلطان. فلسطين 🇵🇸