حين تضيع البوصلة: مخاطر الانجرار الى سجالات داخلية في لحظة اقليمية خطيرة ، عندها يصبح الجدل الداخلي خدمة مجانية للمشروع الصهيوني؟

حين تضيع البوصلة: مخاطر الانجرار الى سجالات داخلية في لحظة اقليمية خطيرة ، عندها يصبح الجدل الداخلي خدمة مجانية للمشروع الصهيوني؟


بقلم : مروان سلطان            فلسطين 🇵🇸 

11.12.2025

———————————————

قد لا يعجب حديثي الكثيرين، ولكن هذا هو منطقي الذي اتحدث به، وهكذا ارى ان الحديث عن بعض القضايا التي تحرف البوصلة عن مسارها تقودنا الى معارك جانبية الشعب الفلسطيني في غنى عنها.  الشعب الفلسطيني في امس الحاجة الى الاسناد داخليا وخارجيا حتى نصل الى بر الامان والوقوف على ارض صلبة تمكننا من تجاوز الازمات. فالتحذير ليس ترفا بل ضرورة. وفي ظل مشروع اقليمي يعاد هندسته على حساب فلسطين والاردن، يصبح الانجرار وراء سجالات سياسية هامشية خطا استراتيجيا. نحن بحاجة الى مسافة امان تضمن بقاء مؤشر البوصلة يتجه نحو الخطر الحقيقي، لا نحو خلافات جانبية لا تخدم الا المشروع الصهيوني الذي يستهدف الجميع.

فالمنطقة تقف امام مشروع اعادة تشكيل استراتيجي كبير، شرق اوسط جديد، يحمل مخاطر عميقة على فلسطين والاردن معا. وفي ظل هذا الواقع الحساس، يصبح خلق مسافة امان وتجنب الدخول في معارك جانبية او سجالات داخلية ضرورة وطنية، لا رفاهية.

هناك اجراءات واسعة في الضفة الغربية تسير باندفاع كبير نحو اعادة هندسة المشروع الجديد، وهناك ضغوطات هائلة تمارس على الاردن لدفعه نحو قبول التهجير. ان مشروع الشرق الاوسط الجديد يعمل بصمت، بينما تعتبر اسرائيل ما يجري فرصة تاريخية لتغيير قواعد اللعبة لصالحها في الجغرافيا والديمغرافيا والسيادة. ويعاد تشكيل المنطقة عبر غزة والضفة والاردن وسوريا ولبنان.

وفي هذا الوقت العصيب، يتجلى الدعم العربي للفلسطينيين سياسيا بوضوح، ولا غبار عليه، وخاصة من الاردن ومصر والمملكة العربية السعودية، وقد انعكس هذا الدعم على مسار الهجمة الاسرائيلية التي تستهدف تهجير الفلسطينيين. وفي المقابل، تمارس اسرائيل سياسات تقلب الكثير من الموازين، كما ان الاردن يتعرض لضغوطات تتعلق بفكرة الوطن البديل، ولذلك اقدمت اسرائيل على وقف تدفق المياه وفق الاتفاقات المبرمة، كما اوقفت اتفاقية الغاز مع مصر.

خط الامان هو ان يستشعر الانسان الاخطار، فيضع حسابات دقيقة لخطواته، اذ ان الحقول مليئة بالغام جاهزة للانفجار، ومعها توضع الحسابات والخطوات والتصريحات. وامام تلك المتغيرات والضغوطات، والساحتين الفلسطينية والاردنية تغليان، جاءت تصريحات وزير الخارجية الاردني السابق مروان المعشر حول التمثيل الفلسطيني والقيادة الفلسطينية. مثل هذه التصريحات، من شخصية وازنة في الساحة الاردنية، ليست عفوية، وان كانت نابعة من موقف شخصي فهي تحرف البوصلة عن مسارها الصحيح، وتنقلنا من مرحلة الى اخرى فيها تشتيت للموقف عن التصدي واسناد الفلسطيني امام الهجمة الاسرائيلية، التي يندرج الاردن في صلب اهدافها.

لقد كنت اتمنى ان يكون جميع من نسمع من الاشقاء مثل الوزير ايمن الصفدي، وزير خارجية الاردن الحالي، رجل بالف رجل، صلب، مقاتل عنيد، كلماته كأنها رصاص، لكل حرف فيها معنى ودلالة. لا يلتفت الى الصغائر ولا الى المعارك الجانبية في خضم معركة الوجود. فالخطاب المسؤول اليوم هو خطاب حماية، لا خطاب جدل، خطاب يعزل المنطقة عن الانشغال بالثانويات.

فلسطين والاردن وسوريا ولبنان تعيش مخاضا عسيرا، والترتيبات التي تجرى على ابوابها تهدف لتهيئة المنطقة للمشروع الجديد بولادة قيصرية اذا ما تعسر مسارها. فاليوم المنطقة كلها تجلس على فوهة بركان، يحاول الجميع تهدئته، لكن لا احد يملك منع انفجاره. وما قد يحدث سيكون كارثيا.

لقد انتهت اسرائيل من غزة وفق منظورها، وتركت واقعا قاسيا قد يمتد لسنوات طويلة، يعيش فيه الناس بين الطين والرمل وحر الصيف وبرد الشتاء القارس، ومطر ينهمر بلا ماوى ولا حماية. وكان الاجدر ان تكون التداخلات منصبة على وقف النزيف الانساني فيها.

فالمعركة المفروضة على الشعب الفلسطيني، هي ذاتها مفروضة على الاردن وعلى مصر وعلى سوريا ولبنان، وتهديداتها لا تقل خطورة. ولا اعرف ان كان المعشر يدرك هذه المخاطر، ولكن لسعتها ستصيب الجميع اذا قدر للمخططات الاستعمارية الصهيونية ان تمر. حينها، لا ينفع ان نوسع من سرقوا الابل شتما، ولا ان نسير على الالغام لتنفجر بنا.

خطوط الامان مهمة، وقد تدفع عن المنطقة مصائب كثيرة. نحن اليوم احوج ما نكون اليها حتى تمر العاصفة. بعدها، وليمثلنا من يمثلنا اذا كان يرى في نفسه القدرة والعطاء، في اطار الشرعية والنظام اللذين يحميان وجودنا ونظامنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي. ويجب ان يعرف القاصي والداني ان الخصم يتفنن في خلق معارك جانبية تشغل الشعب الفلسطيني عن التصدي للمخططات التي تهدد وجوده وصموده على ارض فلسطين. اللعب في الحديقة الخلفية للبيت الفلسطيني والاردني له ما له وعليه ما عليه، والأوجه ان لا تاتي من الاصدقاء، لانها تفتح الف باب وباب من التساؤلات، واهمها لماذا الان تحديدا يلقى على الفلسطينين تلك الاعباء.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرئيس ابو مازن كال الصاع صاعين لنتنياهو في محاولة منعه زيارة سوريا ، والزيارة تمت وفق الوقت والاهداف المرسومة. بقلم مروان سلطان. فلسطين 🇵🇸

مؤتمر الدوحة خنجر مسموم في خاصرة الشرعية الفلسطينية وانقلاب اسود في تاريخ المشاركين مروان سلطان. فلسطين 🇵🇸.

ليس تبريرا ولكن حزنا وكمدا على غزة واهلها كانت كلمات الرئيس عباس الى حماس بفلم الكاتب مروان سلطان. فلسطين 🇵🇸