شرعنة العنف بوصفة سياسة دولة : بن غافير يعرف الفلسطيني بانه هدفا مباحا ترصد لقتله الجوائز.
شرعنة العنف بوصفة سياسة دولة : بن غافير يعرف الفلسطيني بانه هدفا مباحا ترصد لقتله الجوائز.
بقلم مروان سلطان فلسطين. 🇵🇸
30.11.2025
———————————————-
لم يعد العنف في اسرائيل مجرد نتيجة لاحتكاك ميداني او توتر امني، بل تحول الى لغة سياسية تعكس جوهر المرحلة التي تعيشها الدولة العبرية. فالصورة التي خرجت من جنين، لشابين فلسطينيين رافعين ايديهم قبل ان ترديهما نيران جنود الاحتلال، لم تكشف فقط عن جريمة موثقة، بل فضحت المنظور الذي تتعامل به اسرائيل مع الفلسطيني: هدف مباح، لا يستدعي محاسبة ولا يفرض قيودا. وجاء تصريح وزير الامن القومي ايتمار بن غفير، بوعده بترقية ضابط شارك جنوده في قتل الشابين، ليضيف بعدا اكثر خطورة، حيث يصبح القتل معيارا للامتياز المهني، ورسالة سياسية موجهة للداخل الاسرائيلي بان القوة المفرطة ليست تجاوزا، بل ممارسة مشروعة تستحق المكافأة.
لقد شاءت الاقدار ان تكشف كيف ترى اسرائيل خصومها وتتعامل معهم ، وان سياستهم تدل على شئ واحد ان اسرائيل لا تدافع عن نفسها، وانما هي سياسة القتل التي تضعها على الطاولة ضد كل ما هو فلسطيني. حقيقة قيام جنود اسرائيلين بقتل شبان اثنين كانوا قد سلموا انفسهم الى الجنود الاسرائيلين، وخرجوا من احد الاماكن في منطقة جنين حيث يوجد عملية للجيش الاسرائيلي، وهم رافعين ايديهم ، وبدون اي سلاح ، وقيام الجيش الاسرائيلي بقتلهم صورة شاهدها العالم باسره. كان هناك بالصدفة كاميرا ووثقت الحدث ، ويبقى السؤال الذي يتساءله كل من شاهد الواقعة، كم من الاشخاص قد قتلوا برواية كاذبة؟ ، وكم هم الذين قتلوا وفق ادعاءات الجيش الاسرائيلي بحجة الدفاع عن النفس ؟، ولم يكن هناك ما يبرر القتل.
كل الذين شاهدوا المشهد من الساسة الدوليين ادانوا الحادثة ، واعربوا عن اسفهم لمثل تلك الحوادث التي تنتهك الانسانية. لكن الذي دفعني لكتابة هذا المقال تصريح لابن غافير وزير الامن القومي الاسرائيلي نشرته صحيفة هآرتس اليوم يقول فيه : "بن غفير يبلغ قائد وحدة المستعربين بقوات حرس الحدود أنه سيحصل على ترقية لقتل جنوده فلسطينيين اثنين بجنين".
ليس غريبا على بن غافير ان يصرح مثل هذه التصريحات، او يستحدث مثل تلك السياسات او يرصد الجوائز للقتل! فهي في معانيها تخلو من الفهم السياسي، ولا يدرك معانيها وان ادرك ، فانها تعاني بكل ما تعنيه الكلمة ان الحكومة الاسرائيلية حكومة متطرفة، شعبوية ، تضيق المسافة بينها وبين المجتمع الدولي في لغة التفاهم والعمل السياسي.
نعم اسرائيل لم تكن المرة الاولى التي تقتل فيها عناصر فلسطينية بهذه الصورة، لم تكن تهدد امن الجنود او امن اسرائيل، والحادثة تتكرر كل يوم تقريبا ، ولكنها المرة الاولى التي تشرعن فيها قتل الاسرى، او اشخص مدنيين رافعين ايديهم امام جنود الاحتلال، وبكل المعاني التي تخلو من علم السياسة والعسكرية وفهم ادارة الدولة، وحق الدفاع عن النفس، بل ان بن غافير يمنح الترقيات للقتلة والجنود الذين ارتكبوا هذا الجرم.
هذا يعني بتجليات الموقف ان هنا في الاراضي الفلسطينية اصبح القتل خارج القانون ، والاعدامات الميدانية التي تحدث تعني ان العنف ضد الفلسطينيين لم يعد نتيجة ميدانية، بل أصبح أداة سياسية ورسالة داخلية موجهة لقواعد اليمين المتطرف.
اليمين الاسرائيلي يعزز مفاهيم القتل ضد الفلسطينين ان القاتل يصبح بطلا قوميا. وهذه ليست المرة الاولى فالذي ارتكب جريمة مذبحة الحرم الابراهيمي الشريف ، جندي احتياط يحمل شهادة الطب من الولايات المتحدة وهو عضو في حركة كاخ اليمينية المتطرفة، باروخ غولدشتاين قبره الذي اقيم في مستوطنة كريات اربع بات مزارا للمتطرفين الاسرائيلين واعتبر بطلا قوميا. وهذا يعني ان الفلسطيني الغيت صفة الخصم عنه، وحتى صفة الاشتباه عنه في الصراع بين الاحتلال والمواطنين ، واينما وجد اصبح هو هدف مباحا.
بن غافير في استحداثه تلك الجوائز للمؤسسة الامنية الاسرائيلية ، لقيام افرادها بقتل فلسطينيين فانه يستحدث معيارا جديدا في الترقيات، " القتل هو الطريق الى الصعود المهني". ولربما تدفع اسرائيل ثمن هذا المعيار اللأخلاقي، لزيادة وتيرة التطرف في المجتمع الاسرائيلي.
اسرائيل وتحديد بعد السابع من اكتوبر 2023, اتهمت بالمغالاة في عملياتها العسكرية، عندما احدثت خسائر بشرية كبيرة في صفوف المدنين الفلسطينيين ، مما ادى الى تشكيل صورة نمطية دولية حول ماهية الدولة العبرية التي كانت تحظى بالتعاطف والمساندة الدولية دون حدود، لكن الخسائر التي حدثت في صفوف المدنيين الفلسطينين قلب الطاولة ، ليحدث تغيرا نوعيا في سمعة الاسرائيلية، ومع استمرار هذا النهج الذي بات مكشوفا امام الراي العام الدولي في شكل صور ، وفيديوهات متلفزة فان الامر يبدو انه سيصبح اكثر تعقيدا. اذ ان انتشار القتل يقود الى كراهية واسعة ، يصعب استعادة زمام الامور بعدها.
تصريحات بن غفير ليست مجرد انفعال أو شطط لغوي عابر . إنها جزء من مشروع سياسي لإعادة تعريف القوة داخل إسرائيل مبني على تصاعد التطرف وصعود اليمين الاسرائيلي المتطرف، ودفع المؤسسة الأمنية إلى نمط أكثر تطرفًا وشراء الولاءات من الجيش لليمين المتطرف. وعندما نتحدث عن تصاعد اليمين، على العالم ان يعرف ان هذه هي لغة هذه الشريحة اليمينية المتطرفة التي ترى الا نفسها، وكل ما هو غيرها لخدمتها فقط.



تعليقات
إرسال تعليق