إسرائيل تدير حروباً ولا تنهي صراعاً، وتحقيق أمنها يبدأ حين ينعدم عند الآخرين
إسرائيل تدير حروباً ولا تنهي صراعاً، وتحقيق أمنها يبدأ حين ينعدم عند الآخرين
بقلم مروان سلطان – فلسطين 🇵🇸
31.10.2025
——————————————-
في كل مرة تُعلن فيها إسرائيل نهاية حرب، تبدأ حرب جديدة بأسماء مختلفة. فالحروب عندها ليست فترات استثنائية، بل نمط وجود، تتجدد فيه السياسة بالعنف، ويتحقق الأمن حين يغيب عن الآخرين . بعد خمسة عشر يوماً على وقف إطلاق النار في غزة، لا يزال الدخان معلّقاً في السماء، والأنقاض شاهدة على حربٍ لم تنتهِ فعلاً. فحين تتوقف الصواريخ، تبدأ إسرائيل في إدارة ما تبقّى من الحرب بوسائل أخرى: الحصار، التهجير، وهندسة الخوف ، والموت.
منذ وقف إطلاق النار في غزة في الرابع عشر من أكتوبر 2025، وبرعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ووساطة مصرية–قطرية–تركية، وبمشاركة عدد من زعماء العالم في مدينة شرم الشيخ، أقدمت إسرائيل على خرق الاتفاق تحت ذرائع مختلفة. وكان آخر تلك الخروقات المجزرة التي راح ضحيتها مئة وعشرة أشخاص في ليلة واحدة، باذن من الرئيس الأمريكي، رداً على ادعاءٍ بخرق وقف إطلاق النار، وهو ما نفته حركة حماس جملة وتفصيلاً.
وخلال تلك الأيام، ارتقى نحو مئتين وعشرة مدنيين فلسطينيين، وأصيب ما يقارب ستمئة آخرين، أي بمعدل عشرة شهداء وأربعين جريحاً في اليوم الواحد. كثير منهم سقطوا بسبب اقترابهم من مواقع إسرائيلية أو تجاوزهم لما يسمى “الخط الأصفر”.
البنية التحتية: تضررت ما لا يقل عن أربعين مدرسة وثمانية مستشفيات جزئياً بعد وقف النار، نتيجة استمرار القصف في مناطق مأهولة. المنازل: نحو ثلاثمئة وسبعين منزلاً دُمّر بالكامل في الأسبوعين التاليين للاتفاق، معظمها في رفح وخانيونس.
وكما يعلم الجميع، فإن عدد الشهداء أثناء الحرب تجاوز المائة يومياً، وتخطّى في بعض الأيام الخمسمائة، عدى عن آلاف الجرحى. كما أن إسرائيل أقدمت على تسوية نحو ثمانين في المئة من البنية التحتية والأبنية بالأرض.
في واقع الأمر، لا يقصد من هذا المقال الحديث عن حجم الخسائر في الحرب التي فُرضت على غزة بادعاء قتال مقاتلين فلسطينيين، بل عن حقيقة أن من دفع الثمن هم المدنيون الفلسطينيون، بشرياً ومادياً، في حربٍ تُعد وفق المعايير الدولية والإنسانية إبادة جماعية وتطهيراً عرقياً، وعن الاسباب الكامنة وراء استمرار الحرب.
عقب تلك الحوادث المميتة التي تلت سريان وقف إطلاق النار، يتضح أن المدنيين الفلسطينيين ما زالوا في دائرة الاستهداف الإسرائيلي، ضمن سياسة تهدف إلى التهجير وتقليص ما تسميه إسرائيل “القنبلة الديموغرافية الفلسطينية”. وهذا يعني أن الحرب لم تنتهِ بعد، بل تتخذ أشكالاً وهدناً جديدة.
لقد استطاع الرئيس ترامب أن يخلّص نتنياهو وإسرائيل من تبعات جريمة الإبادة الجماعية ومسؤولية الدمار الذي حلّ بغزة خلال عامين.
المشهد الأوسع يكشف أن الإسرائيليين، أينما تحركوا، يتركون وراءهم دماراً وموتاً، وكأن عقدة الأمن الإسرائيلية صارت صناعة قائمة بذاتها. علاقاتهم، وتشابكهم الإقليمي والدولي، وصناعتهم التقنية المتقدمة، كلها تقوم على الرؤية العسكرية، والتجسس، وجمع المعلومات.
وما يمكن استنتاجه أن هذا السلوك ليس مجرد تجاوز تكتيكي أو مظهر من مظاهر الإفراط في القوة، بل هو منظومة تفكير سياسية وأمنية متكاملة، تستند إلى عقيدة ترى في القوة وسيلة للحضور والهيمنة، وفي الأمن الإسرائيلي الغايةً تبرر الوسيلة.
ليست كل الحروب تنتهي بالهدنة. فبعضها يتحول إلى نظام حياة تُدار به السياسة وتُعاد به صياغة المعنى. هكذا تفعل إسرائيل في كل جولة: توقف القتال وتُبقي الصراع حيّاً وهذا ما يجعل المنطقة برمّتها في أزمة دائمة ودَوَّامة لا تنتهي. فمن خلال هذا التحليل، يمكن القول إن إسرائيل لا تقدّم حلولاً، بل تصنع أزمات، لتُبقي الصراع مفتوحاً وتستثمر في نتائج الفوضى والفزّاعات التي تُغذّيها على أطراف النزاع.
إن سياسة إبقاء الصراعات يقظة تعني أن الأطراف التي تدّعي إسرائيل محاربتها لن تُنهى يوماً، واذا لم تكن موجودة تعمل اسرائيل على خلقها، من اجل ان تُستَخدم كذريعة دائمة لإعادة إنتاج الخوف، وهي تقوم بتقليم قدراتها بما يضمن استمرار التفوق الإسرائيلي وإعادة ترتيب الإقليم بما يخدم مشروع الشرق الأوسط الجديد، انها تجيد صناعة التدوير لتحقيق ماربها.
المشهد في غزة ولبنان وسوريا هو تجسيد لبنية أيديولوجية ترى في الحرب وظيفة وجودية، وفي العنف لغة السياسة الوحيدة القادرة على ترسيخ “الاستثناء الإسرائيلي” في المنطقة.
وحين تغيّر الطائرات الإسرائيلية أو تطلق مدافعها على غزة أو دمشق أو بيروت، فهي لا تدافع عن نفسها، بل تعيد إنتاج مبرر وجودها من خلال حربٍ دائمة على ما تسميه الإرهاب، وعلى تلك الفزّاعات التي خلقتها لتخيف بها شعبها أولاً، والاقليم ، والرأي العام الدولي ثانياً.
ليست كل الحروب تنتهي بالهدنة. فبعضها يتحول إلى نظام حياة تُدار به السياسة وتُعاد به صياغة المعنى. هكذا تفعل إسرائيل في كل جولة: توقف القتال وتُبقي الصراع حيّاً.

تعليقات
إرسال تعليق