تمخض الجبل فولد فأرًا: غزة تحت الوصاية الدولية مشروع انهاء الحرب .
تمخض الجبل فولد فأرًا: غزة تحت الوصاية الدولية مشروع انهاء الحرب .
بقلم مروان سلطان. فلسطين 🇵🇸
27.9.2025
—————————————-
خطة إنهاء الحرب في غزة، لا يهم من تفتئت به بنات أفكاره عن إخراجها، وإن الذي تقدم بها هو الرئيس ترامب إلى الوسطاء من أجل إنهاء الحرب في غزة، الرئيس الأميركي لديه الرغبة في إخماد اوارها بعد مرور عامين على اندلاعها، كأنه يقول للحكومة الإسرائيلية: انتهى وقتكم في الاستمرار بالحرب. للاسف هذه الخطة، يتم تسويقها وطرحها على انقاض الخطة العربية ، لانهاء الحرب.
توجهات الرئيس الأميركي ذات دلالات تحظى باهتمامه؛ فهو أولًا أتى إلى البيت الأبيض بشعار “إنهاء الحروب وإحلال السلام”، وثانيًا لديه الطموح في نيل جائزة نوبل للسلام. الرئيس ترامب وغيره من الساسة لديهم اعتبارات تخضع لحسابات في طروحاتهم وأفكارهم؛ فالتعاطف مع أصحاب الحق غير ذي قيمة، لأن المصالح وتوازن القوى هما اللذان يلعبان الدور الأساسي. ولذا، فإن المصلحة العليا في موازين القوى عند طرح الحلول في الصراع الدائر في غزة والضفة الغربية تميل إلى إسرائيل. والطرح الامريكي الجديد هو يحقق المصالح الاسرائيلية بخصوص غزة.
منذ تولي الرئيس الأميركي الرئاسة لا تسمع إلا عبارة ضرورة “عودة الرهائن”، الى ذويهم . ولم نسمع أبدًا أن على إسرائيل إنهاء احتلالها وترك الفلسطينيين وشأنهم. وكذلك الأمر كان في العهود السابقة.
لقد أنهت إسرائيل في غزة على ارض الواقع مهمتها العسكرية وانهت ضرباتها الى بنك الأهداف الذي وضعته، وكان جل الذي دفع الثمن هم المدنيون الفلسطينيون، فقد افادت مصادر دولية ان خمسة اشخاص من اصل ستة اشخاص قتلوا هم مدنيين. وحل الدمار على غزة، وبقيت قضية الرهائن عالقة في أنفاقها.
كلما طالت الحرب دون تحقيق النتائج، فإن شعبية نتنياهو تتهاوى لدى الجمهور الإسرائيلي، وتتدهور علاقات إسرائيل في العالم الذي لم يعد يثق به ولا بسياسته، نتنياهو قاد اسرائيل من مازق الى اخر وتسبب بارهاق اسرائيل . وفي كل مرة تجد أن الرئيس ترامب يمد له طوق النجاة من خلال المبادرات السياسية والعسكرية: من المشاركة في ضرب إيران، إلى إيقاف حرب الاثني عشر يومًا، وحتى موضوع الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وخير مثال على ما وصلت اليه شعبية نتنياهو الدولية هو خطاب نتنياهو في الجمعية العامة أمام الكراسي الفارغة، محاولا دعم شعبيته وإسناد إسرائيل في المحافل الدولية.
وإذا كانت حركة حماس حسب بياناتها قد قامت في عملية السابع من أكتوبر لتحقيق مكاسب للشعب الفلسطيني، فإن هذا مشروع السلام الذي طرحه الرئيس ترامب يجعل القضية الفلسطينية، التي كانت تقف على عتبة الدولة الفلسطينية، تعيش في أحلك أوقاتها الآن. وإذا افترضنا أن هذا هو المخرج لحرب تسببت في محو غزة وأهلها عن الخارطة الدولية، فإن الشعب الفلسطيني والضحايا والشهداء لا عوض لهم إلا من الله.
مشروع الرئيس الأميركي لا يفي بالحد الأدنى من مطالب الشعب الفلسطيني في التحرر وانهاء الاحتلال، ويخرج قطاع غزة من المعادلة الفلسطينية إلى التدويل والاحتلال الدائم. فإذا كنا نؤكد على ضرورة عدم المس بالرهائن والمدنيين، وعلى ضرورة عودة الرهائن سالمين إلى ذويهم والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال، فإن غزة تُفصل عن الكينونة الفلسطينية التي كانت تشكل وحدة واحدة، نواة للصمود والنضال، وعنوانًا للدولة الفلسطينية. لتصبح خاضعة للانتداب والوصاية الدولية من خلال هذا المشروع.
كل الفلسطينيين على هذه المعمورة، ومن وراء البحار والمحيطات، لا زاد لهم إلا وقف هذه الحرب اللعينة، وإخراج غزة من مآسيها التي تسبب بها العدوان الإسرائيلي الغاشم. غير ان هذا المقترح يعتبر صفقة استسلام مغلفة بمكاسب إنسانية واقتصادية: الإعمار، والإغاثة، والإفراج عن الأسرى، وإعادة الحياة لغزة وأهلها. ولعل الخطر الحقيقي هو بيع الوهم، وتحويل “السلام” إلى سلعة لوقف الحرب بينما الاحتلال جاثم بصورته التجميلية الجديدة.
وجود قوة عربية في غزة لحفظ أمنها أمر قد يبدو جميلا، لكن استمرار وجود الجيش الإسرائيلي من خلال ما يسمى “الانسحاب التدريجي” هو تمامًا كما حصل بالاتفاق اللبناني – الإسرائيلي. ستحتفظ إسرائيل بجزء من قواتها داخل غزة لتحقيق أهدافها من هذه الحرب بخلق منطقة عازلة جديدة على الحدود، وتسمح لنفسها بالتدخل متى وجدت ذلك مناسبًا “لأمنها” كما تدّعي.
وذكر الضفة الغربية في صيغتها التي ذكرت بقيت مبهمة، وغير واضحة ولا تتحدث عن وقف الاستيطان ، وتقطيع اوصال الضفة الغربية ، وهذا لا يقدم في هذا العرض شيئا يذكر.
في كل الأحوال، هذا اتفاق يعزز مكانة نتنياهو الداخلية من خلال إخراج الأسرى والخروج من وحل غزة، مع إبقائه على حق التدخل متى شاء دون رادع أو مقاومة. وسيستمر في التدخل بالشان الداخلي الفلسطيني، ويُبقي على غزة منعزلة تمامًا عن الضفة الغربية، منعًا لأي مستقبل يدفع باتجاه إقامة الدولة الفلسطينية.
إن ما يُطرح اليوم ليس سوى محاولة لإعادة إنتاج الاحتلال في ثوب جديد، عبر صفقة استسلام مغلفة بالوعود. ومهما بدت العناوين براقة، فإن جوهرها يكرّس بقاء إسرائيل المتحكمة في مصير الفلسطينيين. لذلك، فإن الحقيقة التي لا يمكن حجبها هي أن غزة ستبقى قلب القضية، وأن أي مشروع يتجاهل حق الفلسطينيين في الحرية والسيادة لن يصنع سلامًا، بل سيؤسس لجولة جديدة من الصراع.

تعليقات
إرسال تعليق