الوجود الفلسطيني بين التهديد والصمود: لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا

 الوجود الفلسطيني بين التهديد والصمود: لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا


بقلم مروان سلطان – فلسطين 🇵🇸

29.9.2025

————————————-

أحاول أن أستقرئ الواقع الذي نمر به، بتجلياته المختلفة وعمقه المحلي والإقليمي والدولي، وأن أفسر كل هذا المحتوى الذي تمضي مساراته في اتجاهات تدمي القلوب وتصيب النفس بالأحزان. ورغم بعض الإضاءات التي طرأت هنا وهناك، إلا أن التيار ما زال جارفًا: من الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، والمجاعة، والأمراض، ويمضي بنا بلا هوادة نحو طريق لا يريد أحد منا أن يسلكه.


لقد خلق الله الأمم من كل المخلوقات البشرية وغيرها، وهي مجتمعات تعتمد على نظام اجتماعي معقد. ووفقًا لإفادة الباحثين، فإن تلك الأمم من غير البشر تعيش في ظل نظام صارم ودقيق، مستعمرات منظمة تتواصل عبر إشارات كيميائية، لا يحدث فيها خلل ولا عطب، حيث يعرف كلٌّ مكانه وعمله، من أجل الاستمرار في الحياة وحماية ممالكها.


وفي حادثة مقتل ابن آدم على يد أخيه، أراد الله أن يعلّم الإنسان دفن الموتى، فأرسل غرابًا ليُريه كيف يواري سوءة أخيه الميت. إنه عمل بلا انقطاع، وإبداع بلا حدود. وفي حالات الخلل، فإن المتسبب يتعرض للعقاب وفق النظام والقانون الذي خلقه الله وألقنه إياها. بعض هذه العقوبات يصل إلى حد الإعدام ويُنفذ القصاص. العبرة منها بالغة الأهمية، فالإنسان لا يختلف في شأنه عن غيره من المخلوقات، غير أنه جُبل على التقاعس واللامبالاة والإهمال.


هنا نحن، الشعب الفلسطيني، نختلف عن الشعوب الأخرى، لأننا واقعون تحت الضغط الصهيوني الاستعماري منذ ثمانية عقود تقريبًا، بكل ما تحمله الكلمة من معنى. اليوم نحن الفلسطينيين سُلبت منا مقومات الحياة، وتحديدًا في غزة، حيث تُمارَس الإبادة الجماعية والتطهير العرقي بكل تجلياتها ومعانيها، وتُوفر لذلك الهدف كل الظروف الملائمة. مرّ قرابة العامين على هذه الحرب، ولم يستطع أحد أن يوقفها، ولم يُرد لها أن تتوقف حتى تحقق أهدافها التي رسمتها وخططت لها الحكومة المستعمِرة. أهم أهدافها هو التهجير الواسع للشعب الفلسطيني، فضلًا عن كيّ الوعي الفلسطيني، وتهجير من يمكن تهجيره، وقتل من يمكن قتله، وسجن من يمكن سجنه. وقد بلغت الخسائر البشرية حتى الآن نحو 11% من السكان الذين قضوا بسبب الحرب، هذا عدا عن الجرحى والخسائر المادية الأخرى.


نحن الفلسطينيين شعب صغير في عدده، لكنه كبير بتجاربه وعمقه التاريخي، فقد صمد آلاف السنين على هذه الأرض، شامخًا، قويًا، مستخلصًا من الماضي العبر والدروس لحماية وجوده. وكان يكفينا أن نتعظ من تجارب الآخرين من حولنا، فالحكيم من يتعظ بغيره، لا أن يكون هو العظة للآخرين. لكن المؤسف حقًا أن مصادر القوة في الشعب الفلسطيني فقدت معناها بسبب التبعية والانقسامات، وأن هذا الشعب بتعدده وألوانه ومشاربه يعيش حالًا من الفوضى والاضطراب الاجتماعي والسياسي، كحال الشعوب العربية من حوله.


وأخطر ما في هذا التنوع أنه فتح باب التبعية؛ فبعض القوى والتنظيمات تستمد وجودها من الآخرين. ولأن القضية الفلسطينية محور هذا العالم، فقد وجدت فيها كثير من القوى الاستعمارية والراديكالية فرصة لاستغلالها؛ بعضها باسم الدين، وأخرى باسم المقاومة والممانعة، حتى تحولت القضية إلى ورقة في أيدي دول مثل إيران وتل أبيب ولندن وواشنطن، وغيرها من المحاور التي تستفيد أولًا من الإمساك بها. والواقع معروف، ولسنا بحاجة إلى سرد مزيد من الأسماء، فما زلنا نغوص في الوحل. وكل هؤلاء يعمل وفق الاجندة التي يراها تناسبه.


اليوم، وبسبب كل المهاترات التي جرت، والمؤامرات التي حيكت، تقف القضية الفلسطينية على مفترق طرق، بل نحن في اخطر المراحل التي تمر بها القضية،  تعصف بها الرياح، وتضربها العواصف العاتية. وصحيح أن كل ما يجري في ملك الله وبأمره، ونحن نؤمن بذلك، لكن الله خلق البشر، وأرسى قواعد هندسة  علم الاجتماع في الارض ، لا توجد عبثية ، ولا مزاجية .  انها مجموعة النواميس التي تحكم علاقة البشر بعضهم في بعض . ومن اجل ذلك كانت الدعوة الى التمسك بالوحدة الاجتماعية والسياسية، وبكل القيم التي تحفظ النوع الاجتماعي من الاندثار والفشل.


ما دامت هناك طوائف وتبعية لمحاور اقليمية و استعمارية، فإن الاشتباك الداخلي سيطول أمده، وسيعمل على استمرار تمزيق الصف الوطني، لأنه قائم على منظومة معروفة تعتمد على التبعية والتحالفات الخارجية، وفق رؤيا تختلف عن رؤية ابناء الشعب الفلسطيني. وهذا ما يهدد الوجود الفلسطيني على هذه الأرض ويعرض أمنه القومي لأخطر المخاطر. “ورغم قسوة المشهد وخطورة الانقسام، يبقى الأمل معقودًا على إرادة الشعوب وصمودها، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا ".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرئيس ابو مازن كال الصاع صاعين لنتنياهو في محاولة منعه زيارة سوريا ، والزيارة تمت وفق الوقت والاهداف المرسومة. بقلم مروان سلطان. فلسطين 🇵🇸

مؤتمر الدوحة خنجر مسموم في خاصرة الشرعية الفلسطينية وانقلاب اسود في تاريخ المشاركين مروان سلطان. فلسطين 🇵🇸.

ليس تبريرا ولكن حزنا وكمدا على غزة واهلها كانت كلمات الرئيس عباس الى حماس بفلم الكاتب مروان سلطان. فلسطين 🇵🇸