الطوفان الإسرائيلي في الضفة الغربية: استيطان يتمدد وعدالة مؤجلة امام ازدواجية المعايير وغياب المسآلة الدولية
الطوفان الإسرائيلي في الضفة الغربية: استيطان يتمدد وعدالة مؤجلة امام ازدواجية المعايير وغياب المسآلة الدولية
بقلم مروان سلطان – فلسطين 🇵🇸
24.9.2025
——————————————-
الطوفان، في الوعي الإنساني، هو قوة جارفة لا تُبقي ولا تذر، يبتلع ما أمامه بلا رحمة. وإذا كان الطوفان الطبيعي حدثًا استثنائيًا يغيّر وجه الأرض، فإن الطوفان السياسي والعسكري والاستيطاني الاسرائيلي الذي تشهده الضفة الغربية اليوم هو سياسة ممنهجة، تهدف إلى اقتلاع الإنسان الفلسطيني من أرضه وتغيير معالمها. هذا الطوفان الإسرائيلي يتجلى في مكوناته: الاستيطان والجدار والحواجز ، والتهجير العرقي ، محمولًا على ازدواجية المعايير الدولية التي تغض الطرف عن العدوان في مكان ما ، وتدين غيره اذا وقع في مكان اخر . والطوفان الإسرائيلي في الضفة هو عدوان مدعوم بالانتقائية وبازدواجية المعايير الدولية، كل ذاك يترك اثره على مختلف جوانب الحياة الفلسطينية ، ويعيق نموها وتقدمها، بل ويدمرها.
في ظل ازدواجية المعايير الدولية ذاك شيء تعوّدنا عليه، سواء سكتنا عليه مضضًا أم رفضناه بكل عنفوان، منذ النكبة الأولى. وقد شهدت أروقة المؤسسات الدولية مواقف كثيرة شغلت الرأي العام العالمي؛ منها ما أخذ نصيبه في التداول داخل أروقة الأمم المتحدة، ومنها ما لم يُذكر وكأن شيئًا لم يحصل. والأمر من ذلك أن كثيرًا من هذه المداولات انتهى بقرارات بقيت طي الأدراج والرفوف، وبعضها لاقى حتفه بسبب اعتراض الدول النافذة بما يسمى “الفيتو” في مجلس الأمن. والأسوأ أن هناك ملفات ايضا طُويت قبل أن تأخذ حقها في المداولة، باعتبار ان الموضوع يمس حياة شعوب من الدرجة الثالثة. لا قيمة للانسان من غير سلالتهم ولونهم.
قرارات الأمم المتحدة ما زالت تتكدس في الأدراج ولم يتم تنفيذها ، وكم من المرات دعى الرئيس عباس الى تنفيذ لو قرار واحد من تلك القرارات المكدسة فيما يخص فلسطين وكان الشعب الفلسطيني فائض عن حاجة البشرية ، بعض القرارات يتم التعامل معا في التو واللحظة وتاخذ تاييدا وقرارا دوليا بالسلم او بالحرب او بالاعتراف بها كدولة، بينما تجمد وتطوى قرارات اخرى.
هكذا كان الامر في العراق بالامس حشدت له الاساطيل بحثا عن اسلحة الدمار الشامل وجندت الامم المتحدة لتوفير الغطاء العسكري من اجل تدميره، ولم يجدوا اي من هذه الاسلحة التي دمر بسببها العراق وقتل ابناؤه من اجل ذلك . انظر كيف يتم التغاضى من الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن المشروع النووي الإسرائيلي بينما تُثير عاصفة اليوم حول المشروع النووي الإيراني السلمي مثلًا؟ إنها الانتقائية أو ازدواجية المعايير. وانظر الى دولة جنوب السودان التي تم الاعتراف بها في الامم المتحدة في اليوم الذي انسلخت عن السودان، وكذلك غيرها ، بينما فلسطين توضع امامها كل العوائق للاعتراف بها كدولة، وهي في اتم الجهوزية لذلك .
وهو الحال في الضفة الغربية حيث يتسارع طوفان الاستيطان بكل تفاصيله بلا هوادة، حيث يواصل الاحتلال في إنشاء الكتل الاستيطانية إيمانًا منه بأنها ستكون عائقًا أمام المشروع الوطني الفلسطيني، والاستيلاء على الارض الفلسطينية ، وتهويدها. وقد ترعرع المشروع الاستيطاني في الضفة بفضل الدعم الأمريكي الذي كان يرفضه علنًا في السابق ، لكنه يحافظ عليه ويدعمه سرًا. الاحتلال ومن وراءه لا يرى أن للشعب الفلسطيني الحق في حريته وفي أن يعيش كما تعيش باقي شعوب الأرض.
ولهذا ارتفع الصوت عاليًا في مشروع التهجير الإسرائيلي. فهم يرون أن الشعب الفلسطيني لا يحتاج إلى ارض يؤمن من خلالها مستقبله العمراني والبشري وامنه الغذائي والمائي . بل عليه أن يبقى مستهلكًا لما يفيض من الأسواق الإسرائيلية، والمستقبل في التهجير للاجيال القادمة. وقد عملت إسرائيل على تفريغ الفلسطينيين من أرضهم عبر سياسات ممنهجة في الزراعة والمياه وغيرها، كل ذلك من اجل المشروع الاستيطاني الاسرائيلي.
لقد أزعج إسرائيل اعتراف العالم بدولة فلسطين واخذت تهدد وتتوعد الفلسطينيين، وهي تضع العراقيل تلو العراقيل من اجل منع قيام الدولة الفلسطينية . ولهذا ارادت غزة منفصلة عن الضفة الغربية ومهدت للانقسام ، حيث دعمت الانقلاب وحركة حماس في اطار ارادتها ومنظومتها الامنية . الدولة الفلسطينية التي اساس قيامها وحدة شطري الوطن في غزة والضفة الغربية. واليوم الحرب التي تشنها على غزة ولم تبق فيها حجرا على حجر وسقوط الالاف الضحايا كله بسبب منع اقامة الدولة الفلسطينية. كل الذي قامت به اسرائيل وعلى مدار عقود وازعجها تضامن العالم الذي ايد ضرورة قيام دولة فلسطين في الامم المتحدة ، في اطار الجهد الاستثنائي الذي قدمته المملكة العربية السعودية وفرنسا ، وجهد فلسطيني دبلوماسي طويل المدى من اجل حشد الاعتراف بدولة فلسطين. لكنها تناست إزعاج الفلسطينيين المستمر منذ ثمانية عقود، وأي إزعاج ذاك ! الذي تسبّب بمجازر ونكبات وبقتل عشرات الآلاف وتشريد الملايين في الداخل والخارج الم يزعج إسرائيل أن أربعة عشر مليون فلسطيني ما زالوا ينتظرون حلًا سياسيًا عادلًا لقضيتهم؟!.
ألم يزعج إسرائيل حرب الإبادة والتجويع والتعطيش والنزوح في غزة؟ وما زالت تنكرها . أي عالم مجرم هذا الذي يتلذذ بنكبات الآخرين وترتكب يداه الجرائم دون حساب، من غير أن يهتز له جفن! وهم أنفسهم الذين ملأوا الدنيا ضجيجًا بسبب ما سُمّي “طوفان الأقصى”، ذاك الذي اتخذته إسرائيل ذريعة للوحشية والإبادة الجماعية. كل ذلك والطوفان الاسرائيلي في الضفة الغربية بات يخنق كل الفلسطيني فيها، وتختنق تفاصيل الحياة معها.
لا يمكن أن تتغيّر المعايير بمرور الزمان او تغير المكان: فالإبادة هي الإبادة، والتهجير مسمى لا يتأول، والظلم معيار ثابت، والإرهاب تعريف لا يتبدل. أما الانتقائية وازدواجية المعايير فهي حكر على الدول الظالمة، وعلى رأسها دولة العدوان ومن يساندها من قوى الاستعمار، وكم من استعمار ذكره التاريخ قد تلاشى وبقي اصحاب الارض.
ما تقوم به إسرائيل في طوفانها في الضفة الغربية ليس حقًا مكتسبًا، بل عدوان واستعمار ممنهج، تُسانده قوى كبرى بغطاء سياسي ودبلوماسي الاستيطان سيزول، والاستعمار سيزول. وكما كانت تسمى فلسطين، ستبقى تسمى فلسطين 🇵🇸.

تعليقات
إرسال تعليق