هندسة الوعي وحرف البوصلة: بين التضليل وصنّاع التوهان السياسي
هندسة الوعي وحرف البوصلة: بين التضليل وصنّاع التوهان السياسي
بقلم مروان سلطان. فلسطين 🇵🇸
28.7.2025
——————————————
لم أجد إجابة في فكري ووجداني لأولئك الذين يريدون حرف البوصلة عن الجريمة التي ينفذها الكيان في تجويع غزة. لماذا يريدون أن تنحرف البوصلة باتجاه مصر 🇪🇬، والكل يعلم، ويعلم علم اليقين، أن من يمنع الغذاء والدواء والماء عن غزة هو الاحتلال؟
أي توهان وأي تضليل يريدون للمجتمع العربي والفلسطيني أن يبلغه في إفساد العلاقة المصرية الفلسطينية؟
لماذا تسعون إلى تبرئة الاحتلال؟ ما المقصود بذلك؟ وما الثمن الذي تحصلون عليه مقابل تعكير صفو العلاقات مع مصر؟
لست بصدد الدفاع عن النظام المصري أو غيره، ولكن العلاقات العربية الفلسطينية هي قضية محورية استراتيجية، ومن غير المقبول المساس بها.
كل شيء له ثمن، ولا أدري بعد، ما هي النتائج التي ترغبون في حصادها من وراء اتهام مصر بأنها تشارك في حصار غزة.
لماذا نطلق الاتهامات جزافا أو بناء على فرضيات تتسم بالخيال؟ إن من يحكم المعابر، سواء مع مصر أو مع إسرائيل، في الوقت الحاضر، هي إسرائيل.
وإذا أرادت مصر إدخال معونات إلى غزة من دون الموافقة الإسرائيلية، نعم، هذا ممكن، لكنه سيؤدي إلى حرب إقليمية بين مصر وإسرائيل. ومصر في هذا التوقيت في غنى عن الدخول في معارك وحروب إذا لم تُفرض عليها، لأن المقدرات الوطنية المصرية هي أول أهداف التحالف الدولي المشارك في الحرب على غزة.
هذه القضية تكشف نمط التفكير لدى بعض الفصائل الفلسطينية التي تستسهل استفزاز الآخرين، وخلق عداء لا مبرر له مع من يفترض أنهم حلفاء الشعب الفلسطيني.
نحن في أمسّ الحاجة إلى دعم الآخرين، وإلى عمقنا العربي. ففلسطين لا يمكنها أن تصمد دون هذا العالم العربي والإسلامي، وهذا المجموع المتراكم من العلاقات والمصالح والمواقف.
إن محاولة تخريب هذه العلاقات سيؤثر سلبا على القضية الفلسطينية. نعم، يمكن أن نرى لأنفسنا الحق في الدعم المصري، الحنان المصري، والأمان المصري، وهذا صحيح، لأن مصر كانت ولا تزال الحاضنة للقضية الفلسطينية منذ أن بدأت في سنة 1948.
ومصر قدمت خيرة شبابها من جيشها العظيم شهداء من أجل فلسطين، وكانت على الدوام اليد التي تمدّ الفلسطينيين بالعون والمساندة.
الدخول في معترك الاتهام لمصر أمر مرفوض جملة وتفصيلا، ويدفعنا إلى متاهات التوهان السياسي الذي لا نقبله بأي شكل من الأشكال.
جرّ الفلسطينيين إلى معركة مع المصريين هو بمثابة حرف خطير للبوصلة عن العدو الحقيقي، ذاك الذي يفرض الحصار، ويمنع المساعدات، ولم يكن يخجل من التصريح بأنه سيمنع الغذاء والدواء والماء عن غزة.
إلى هؤلاء أقول: هذا يشكل هندسة بائسة للوعي الزائف في المجتمع الفلسطيني، وهو مرفوض بكل تفاصيله. وليعلم من يسعى لحرف البوصلة أن فلسطين ليست خنجرا في ظهر أحد، بل جرح الأمة النازف، وكرامتها التي لا تُقايض. ومن يضل الطريق نحو العدو، سيسقط في وحل الأوهام، مهما ظن أنه يُحسن صنعا.
في زمن المجازر، لا نملك ترف التوهان، ولا رفاهية افتعال الخصومات. فمن لا يرى أن الاحتلال هو الحصار، وأن الجلاد لا يمكن أن يكون ضحية، فقد خان وعيه، وضيّع بوصلة شعب بأكمله.

تعليقات
إرسال تعليق